مفهوم السيادة فى الفكر السياسي المقارن

مفهوم السيادة فى الفكر السياسي المقارن

د.صبري محمد خليل/ أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil30@yahoo.com

تعريف المفهوم :السيادة لغة: من سود ، وتدل على المُقدم على غيره جاهًا أو مكانة أو منزلة أو غلبة وقوة ورأيًا وأمرًا ( يقال: فلان سَيِّد قومه إذا أُريد به الحال، وسائِدُ إذا أُريد به الاستقبال، والجمع سَادَة)(مختار الصحاح، مادة: سَوَدَ)( والسَّيِّدُ يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومُحْتَمِل أَذى قومه والزوج والرئيس والمقدَّم، وأَصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد)( صحاح اللغة، ولسان العرب، مادة: سَوَدَ) (زياد بن عابد المشوخي /السيادة مفهومها ونشأتها ومظاهرها).
أما السيادة اصطلاحا فقد تعددت معانيها ،ومرجع هذا التعدد  أسباب مختلفة أهمها تعدد أركان الدولة (الشعب، والإقليم”الأرض”، والسلطة “التشريعية والتنفيذية والقضائية”)،والتي ترتبط بها السيادة ارتباطها وثيقا ، لذا يمكن تقسيم السياده الى  ثلاثه انواع  هي:

النوع الاول: سيادة الدولة( او الشعب) على أراضيها(إقليمها): والمقصود بها استقلال الدولة(العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث، ص118 )(معجم القانون، ص637)،فالدولة ذات السيادة هي الدولة المستقلة،ومثال لهذا النوع من أنواع السيادة نجد التعريف التالي(السيادة هي وصف للدولة الحديثة يعني أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولي على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه) (معجم القانون، ص637)
النوع الثاني: سيادة القانون: ولهذا المفهوم تفسير شكلي: ويتعلق بوجود القانون ذاته . و تفسير جوهري: لا يتعلق بوجود القانون او عدم وجوده، بل بسيادة القانون داخل مجتمع منظم قانونا ، اى ان القانون  في هذا التفسير للمفهوم موجود لكن تنقصه السيادة،ومضمون هذا التفسير يتعلق بالتزام الدولة ممثله في سلطاتها التشريعية والتنفيذية بالقانون ..

النوع الثالث: سيادة الشعب: والسيادة تعنى هنا السلطة المطلقة، فسيادة الشعب هي مفهوم ليبرالي يعنى إسناد السلطة المطلقة للشعب.

مفهوم السيادة فى الفكر السياسي الغربي:

أولا: سيادة القانون: وكنموذج للمذاهب السياسية الغربية فى سيادة القانون ، المفهوم الليبرالي لسيادة القانون ، والذي يقوم علىوقوف القانون موقفا سلبيا من الحريات الفردية ، اتكالا على ان ثمة “قانون طبيعي بنظم” تلك الحريات ،ويحملها على وجه يجعلها تؤدى وظيفتها الاجتماعية تلقائيا( د.عصمت سيف الدولة، الطريق ،ج 2 ص39 )، فسيادة القانون في الليبرالية إذا تتحقق عندما لا يسمح النظام القانوني للدولة بالتدخل في النشاط الفردي، وكما ان سيادة القانون في الليبرالية  تنتفي عندما يسمح النظام القانوني للدولة بالتدخل في النشاط الفردي.وأهم أوجه النقد التي يمكن ان توجه إلى المفهوم الليبرالي لسيادة القانون هي ان  مسلمه عدم تدخل الدولة قد سقطت عبر تاريخ النظام الراسمالى ذاته في الغرب. غير ان أكثر ما قدمه الفكر الليبرالي جديه لضمان سيادة القانون هو الديموقراطيه كنظام فني لضمان سلطه الشعب ضد استبداد الحكام .

 

ثانيا: السيادة بين الثيوقراطيه والليبرالية: ففي أوربا قبل أكثر من ستة قرون، تم إسناد السيادة ” السلطة المطلقة” إلى رجال الدين والأمراء والملوك، الذين يمثلون كلمه الله في الأرض،وذلك استنادا إلى الثيوقراطيه ومذهبها فى الكهنوت”رجال الدين”. ثم جاءت الليبرالية ومذهبها فى العلمانية كرد فعل على الثيوقراطيه والكهنوت فأسندت السيادة” السلطة المطلقة” إلى الشعب.

مفهوم السياده فى الفكر السياسى الاسلامى:

اولا: مفهوم الامان وسيادة الدولةعلى أراضيها: اما النوع الاول من انواع السياده اى وسيادة الدولةعلى أراضيها، اننا نجد فى الفكر القانونى الاسلامى ما يقابله ممثلا فى مفهوم الامان اى وجوب ان يكون امان المسلمين بايديهم بتعبير الفقهاء.

ثانيا: السياده والحاكميه الالهيه: اما فى ما يتعلق بالنوع الثانى من انواع السياده، فان المصطلح الذي يقابل مصطلح السياده”بمعنى السلطه المطلقه” فى الفكر السياسى الاسلامى هو مصطلح الحاكميه ، حيث يقرر القرآن أن الحاكمية صفة ربوبية ﴿  إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّلِلّهِ َ﴾ ( يوسف: 40)، وعلى هذا فإنه قائم هنا على اعتبار ان الحاكمية ( السيادة ) لله تعالى وحدة، ولا يجوز إسنادها إلى  غيره ، وهذه الحاكميه الالهيه تنقسم الى قسمين:

القسم الاول: الحاكميه التكليفيه:مضمونها وجوب أن تحكم قواعد شريعته حركة الفرد والمجتمع  ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍفَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ ( الشورى: 10).

القسم الثانى:  الحاكميه التكوينية:مضمونها ان هناك سنن إلهيه تحكم حركة الأشياء والظواهر و الإنسان حتما ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَخَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ ( الأحزاب : 62)  .

ثانيا: استخلاف الجماعة في إظهار الحاكميه الالهيه واسناد الامر (السلطه) لها : كما ان الفكر السياسى الاسلامى – اتساقا مع مفهوم الاستخلاف يقوم على ان الله تعالى بعد أن اسند الحاكميه لذاته استخلف الجماعة في إظهارها في الأرض، بان اسند اليها السلطة- الأمر- التى هي ممارسة السيادة- الحاكمية- في الزمان والمكان، اى إظهار لها فى الارض. قال تعالى﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْخَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ ( فاطر: 39).وقال تعالى  “وأمرهم شورى بينهم” .

 مقارنه : بناءا على ما سبق  فان الفكرالسياسى الاسلامى،اتساقا مع مفهوم التوحيد، يرفض إسناد السيادة “السلطة المطلقة” إلى فرد او فئة معينه” رجال الدين” كما فى الثيوقراطيه ومذهب الكهنوتية، قال تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ،بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم،كما يرفض إسناد السيادة ” السلطة المطلقة” إلى الجماعة ” الشعب” كما فى الليبرالية. مع التقائه مع الليبرالية -اتساقا مع مفهوم الاستخلاف- فى إسناده السلطة “ممارسه السيادة فى زمان ومكان معينين  للجماعة ” الشعب” .

ثالثا:سيادة القانون: أما فيما يتعلق بالنوع الثالث من أنواع السيادة اى سيادة القانون‘ فان  الفكر القانوني الاسلامى يتسق في أصوله مع هذا المفهوم طبقا لدلالته العامة المشتركة، فهو أولا: يتفق مع التفسير الشكلي للمفهوم،والمتعلق بوجوب وجود قانون ينظم حركه  المجتمع ، من خلال تقريره وجوب أن تحكم العلاقات بين الناس في المجتمع قواعد عامة مجرده سابقه علي نشأة تلك العلاقات هي الشريعة الاسلاميه اى النظام القانوني الاسلامى، يقول تعالى{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ً}[الأحزاب: 36] ، ويقول الرسول( صلى الله عليه وسلم) «السيد الله تبارك وتعالى». كما يتفق الفكر الاجتماعي الاسلامى مع التفسير الجوهري للمفهوم والمتعلق بالتزام الدولة ممثله في سلطاتها التشريعية والتنفيذية بالقانونومعاييره، حيث تشير إليه كثير من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

أضف تعليق